أسرة آل صباح: من البادية إلى الحكم
في قلب الصحراء، حيث الريح تهمس بأسرار الرحلات القديمة، وبين خيام البدو الذين تعايشوا مع القسوة والكرم في آن معا، انطلقت حكاية أسرة آل صباح، التي تحولت من قبيلة مهاجرة إلى أسرة حاكمة رسخت دعائم الكويت الحديثة.
جذور الضيافة والقيادة
تنتمي أسرة آل صباح إلى قبيلة عنزة، وهي إحدى القبائل العدنانية التي عرفت بشجاعتها وحنكتها السياسية. وقد كانت الأسرة جزءا من “بني عتبة” (أو العتوب)، وهم تحالف من الأسر والقبائل العربية الذين ارتحلوا من نجد في قلب الجزيرة العربية نحو سواحل الخليج العربي، مرورا بالزبارة في قطر، ثم استقروا في “كاظمة” الأرض التي عرفت لاحقا بالكويت.
الاستقرار في الكويت
في أوائل القرن الثامن عشر، وتحديدا حوالي عام 1716، بدأ العتوب ببناء مستوطنة على الساحل المطل على الخليج، سميت “الكويت”، نسبة إلى “الكوت” أي الحصن الصغير. تميزت هذه البقعة بموقعها الإستراتيجي، ما جعلها ملتقى للتجارة والغوص على اللؤلؤ. ولكي تحكم هذه الجماعة الناشئة أمورها، تم اختيار الشيخ صباح بن جابر كأول زعيم لها عام 1752، وهو التاريخ الذي يعد بداية حكم آل صباح للكويت.
اختيار الشيخ صباح جاء بالإجماع من وجهاء العتوب، تقديرا لحكمته وبعد نظره، وكان ذلك الاتفاق الشفهي بمثابة أول لبنة في تقاليد الحكم الكويتي القائم على الشورى والتوافق.
التأسيس والبناء
لم تكن مهمة الشيخ صباح الأول سهلة، إذ واجه تحديات من القوى الإقليمية كالدولة العثمانية، وحكام البصرة، والفرس. لكنه نجح في الحفاظ على استقلال الكويت النسبي، وأسس علاقات تجارية مع بريطانيا والهند، ورسخ موقع الكويت كميناء آمن.
توالى على الحكم بعده عدد من أفراد الأسرة، وكان لكل منهم بصمته الخاصة في بناء الدولة وتوسيع نفوذها وترسيخ مكانتها. ومن أبرزهم:
- الشيخ جابر الأول (1776 – 1814): الذي عزز العلاقات التجارية ووطد الأمن.
- الشيخ مبارك الكبير (1896 – 1915): المعروف بـ”مؤسس الكويت الحديثة”، حيث عقد أول اتفاقية حماية مع بريطانيا عام 1899 لحماية البلاد من الطامعين.
- الشيخ أحمد الجابر: الذي قاد البلاد خلال بدايات اكتشاف النفط، وتولى الحكم في فترة حرجة.
- الشيخ عبدالله السالم: يلقب بأب الدستور، حيث وضع أول دستور للبلاد عام 1962.
من حكم القبيلة إلى دولة المؤسسات
لم تبق أسرة آل صباح على شكل الحكم القبلي التقليدي، بل تطورت مع الزمن. فقد أسست الكويت مجلس الأمة، وصادقت على دستور عصري، وأنشأت الوزارات والمؤسسات العامة، وبنت نهضة تعليمية واقتصادية واضحة المعالم. ومع كل تطور كانت الأسرة الحاكمة تنفتح على المشاركة الشعبية وتوازن بين السلطة التشريعية والتنفيذية، رغم ما واجهته البلاد من أزمات سياسية واقتصادية.
الحضور السياسي والأسري
آل صباح لم يكونوا مجرد حكام، بل أسرة ممتدة ذات تأثير واضح في شتى المجالات. يتولى أفراد الأسرة مناصب وزارية ودبلوماسية، ويشرفون على ملفات سيادية حساسة، كما أن لهم حضورا فاعلا في الجهود الخيرية والإنسانية على المستويين المحلي والدولي.
أسرة صباح اليوم
في السنوات الأخيرة، شهدت الأسرة تحولات داخلية كبيرة، خاصة بعد وفاة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، المعروف بحنكته السياسية ومبادراته الإنسانية. تولى بعده الشيخ نواف الأحمد، ثم ولي عهده الشيخ مشعل الأحمد الذي يقود حاليا البلاد في ظل مرحلة من التغيير والإصلاح.
اليوم، تقف الكويت على أعتاب تحولات اقتصادية واجتماعية، وتبقى أسرة آل صباح في قلب المعادلة، ممسكة بزمام التوازن بين الماضي والحداثة، بين روح القبيلة ونبض الدولة.
سيرة لا تزال تكتب
قصة آل صباح ليست مجرد توثيق لتاريخ حكم، بل هي مرآة لتحولات شعب ونشأة وطن. وبين كل حاكم وآخر، فصل جديد يضاف إلى سجل الكويت، ذلك البلد الصغير في حجمه، الكبير في دوره.
برأيك، ما الذي ميز أسرة آل صباح عن غيرها من الأسر الحاكمة في الخليج؟ وهل ترى أن الكويت اليوم تسير بخطى راسخة نحو مستقبلها السياسي والاقتصادي؟

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.