الدراعة و البخنق: أناقة المرأة الكويتية
في الزمان الذي لم تكن فيه الماركات تحدد الأناقة، ولا المجلات تقرر الموضة، كانت المرأة الكويتية تعرف تماما كيف تلبس، ومتى، ولماذا. لم تكن الثياب مجرد أقمشة، بل لغة. لكل قطعة قصة، ولكل لون دلالة، ولكل خيط روح تحكي الكثير. ومن بين تلك الحكايات الباقية في الذاكرة، تبقى “الدراريع” و”البخنق” شاهدين على جمال ناعم، وأناقة أصيلة صنعتها نساء من الزمن الجميل.
الدراريع: حين يصبح القطن قصيدة
لم تكن “الدراعة” مجرد لباس منزلي، بل كانت التعبير الأصدق عن هوية المرأة الكويتية. طويلة، فضفاضة، ناعمة الانسياب، تصنع غالبا من القطن الخفيف أو الحرير، تأتي بألوان زاهية ونقوش متفردة. لم تكن الدراريع تشترى جاهزة، بل تفصل باليد، ويختار قماشها بعناية من الأسواق المحلية أو من الهند، حيث كان للتجار الكويتيين علاقات تجارية راسخة.
تنوعت أشكال الدراريع حسب المناسبة:
- دراعة البيت: خفيفة وعملية، تلبسها المرأة داخل منزلها. مزركشة بالألوان، مريحة للحركة، بسيطة في تطريزها.
- دراعة المناسبة: أكثر فخامة، تطرز بخيوط الذهب أو الفضة أحيانا، وتلبس في الأعراس أو عند استقبال الضيوف.
- دراعة العيد: كانت تحضر خصيصا قبل حلول العيد بأيام. لونها يختاره القلب، ونقوشها تعكس الفرح، وكانت البنات يتفاخرن بها عند زيارة البيوت في أيام العيد.
وكانت النساء يتبادلن أسماء الخياطين المهرة كما يتبادلن وصفات الطعام، وتقيم الدراعة من خياطتها وتناسق ألوانها، لا من ثمنها.
البخنق: وشاح الطفولة والحياء
أما “البخنق”، فهو وشاح الطفلة الكويتية. تلبسه البنات الصغيرات حين يبدأن في تعلم الحجاب، ويصبح جزءا من هويتهن في المدرسة، والبيت، والمناسبات. غالبا ما يصنع من الشيفون أو القطن الخفيف، ويزين بالتطريز البسيط حول الحواف.
البخنق لم يكن فرضا، بل طقسا جميلا تدرب فيه البنات على الحياء، ويعلمن على ستر الرأس بطريقة ناعمة ولطيفة. كانت الأمهات يخطنه بأيديهن، أحيانا بلون أبيض نقي، وأحيانا بالأسود المائل للبني، ويحاط بالخيوط الذهبية أو الفضية الناعمة، تعرف بـ”التلي”.
في الصباح، تسير البنات إلى الكتاتيب أو المدارس والبخنق يغطي رؤوسهن، في مشهد لا تنساه الذاكرة. كن يشبهن الزهرات الملفوفات بالندى، جميلات دون تصنع، متواضعات دون أمر.
ألوان تحكي وتفاصيل لا تنسى
كانت الألوان في ملابس النساء تعكس مزاج الحياة. في الصيف، تظهر الأزرقات الفاتحة، والأخضر النعناعي، والأصفر الزاهي، أما في الشتاء، فتتجه النساء نحو العنابي، والبنفسجي الغامق، والكاكي الدافئ. ولم يكن هناك تناقض في لبس الألوان الجريئة، فالثقة كانت تأتي من الذات لا من الموضة.
أما الزخارف، فقد كانت مستوحاة من البيئة: أوراق النخيل، أشكال النخوة، الأزهار الصغيرة، وحتى زخارف مأخوذة من الشناشيل والأبواب الكويتية القديمة.
وكان لكل فتاة درج صغير تحفظ فيه دراريعها المطوية بعناية، وبخنقها المكوي، ومشابك شعرها، وعطرها الخاص الذي ربما صنعته أمها من دهن العود أو الورد.
الأناقة بالفطرة لا بالصوت العالي
المرأة الكويتية في الماضي لم تكن تحتاج إلى ضوء لتتألق. كانت الأناقة ترى في التفاصيل: في تناسق الثوب مع الإسوارة الفضية، في طريقة طي طرف الدراعة حين تجلس، في البسمة التي تكمل كل مظهر. لم تكن الأناقة صاخبة، بل هادئة، متصالحة مع نفسها، نابعة من تقدير الجمال البسيط.
وفي الأعراس، كانت تتزين بدراعة خاصة، وتكملها بعباءة سوداء مزركشة بخيوط الحرير، وتضع “البوشية” بلون أنيق يغطي الوجه بنصف شفافية، فتبدو كمن خرجت من رواية قديمة لا تنسى.
من الماضي إلى الخزائن الحديثة
اليوم، قد لا ترى الدراريع في الشوارع، لكنها تعيش في البيوت، في خزائن الجدات، وفي علب الهدايا التي تقدم في رمضان، وفي الأسواق التي تعيد إنتاجها بلمسات عصرية. أما البخنق، فصار جزءا من الذاكرة، لكنه يظهر في المناسبات التراثية، وفي المدارس التي تحيي “يوم التراث”.
لكن رغم التغير، يبقى في الروح شيء منها. من تلك الأناقة الطيبة، التي لم تفرض على أحد، ولم تصنف ضمن تيار. كانت أناقة تشبه الكويت نفسها: أصيلة، بسيطة، ونابعة من الداخل.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.