الصفار و الحداد: الصناعات اليدوية التي بنت الحياة
قبل أن تغزو الآلات الحديثة تفاصيل الحياة اليومية، كان صوت المطرقة على السندان، ورنين النحاس المصقول، يملأ أزقة الأسواق الكويتية. في تلك الأزمنة، لم تكن مهنة “الحداد” أو “الصفار” مجرد عمل بدني، بل كانت حرفة فنية متقنة، تنبض بالمهارة والصبر والإبداع. وبين السخام والنار، وبين وهج الأفران وصوت الطرق، نشأت صناعات يدوية كانت الركيزة الأساسية لحياة الكويتيين قبل النفط.
الصفار: صانع النحاس وزخرفته
الصفار هو الحرفي المتخصص في صناعة أواني النحاس وتلميعها وصيانتها. وكانت أدوات المطبخ الكويتي تعتمد بشكل شبه كامل على هذه الأواني النحاسية، بدءا من الدلال التي تغلى فيها القهوة، إلى القدور الكبيرة التي تطهى فيها الولائم، وصولا إلى أواني الماء والتخزين.
لم يكن عمل الصفار يقتصر على التشكيل فقط، بل كان أيضا يبدع في النقش والزخرفة، مستخدما أدوات دقيقة ليرسم أشكالا هندسية أو نباتية تزين الوعاء، مما يمنحه بعدا جماليا إلى جانب الوظيفة العملية.
الحداد: عمود البناء والأمن
أما الحداد، فكان حجر الزاوية في أي مشروع بناء أو صناعة، فمهامه كانت متعددة تشمل صناعة الأبواب الحديدية، النوافذ، الأقفال، أدوات الزراعة، وحتى الأسلحة البيضاء. وكان ينظر إليه باحترام كبير، نظرا لقوته وخبرته، ولأنه يمثل عنصر الأمان لكل بيت وسوق.
وكانت الحوانيت التي يعمل بها الحدادون تعرف في الكويت بـ”الدكان”، غالبا ما تكون صغيرة الحجم، لكنها مليئة بأصوات العمل والنار المتقدة. واللافت أن بعض هذه الحوانيت كانت تتوارث من جيل إلى آخر، فيبقى اسم العائلة مرتبطا بالحرفة نفسها.
موقعهم في السوق
كانت حرف الحدادين والصفارين تمارس في مواقع محددة من سوق الكويت القديم، مثل سوق الصفارين الواقع في وسط المدينة، والذي كان ينبض بالحياة حتى منتصف القرن العشرين. وكانت الزبائن تقصدهم مباشرة، إما لشراء ما يحتاجونه، أو لصيانة ما امتلكوه من أدوات.
وكان الصوت المميز للطرق على المعدن بمثابة دعوة غير مباشرة للزبائن، يعرفون من خلالها أن الصفار أو الحداد قد بدأ يومه، ويمكن التوجه إليه.
بداية التراجع
مع دخول الأدوات المصنعة بالجملة، والبلاستيك، والفولاذ المقاوم للصدأ، بدأت هذه الحرف تفقد بريقها. فقد أصبح الأرخص متاحا، والأسرع مغريا، وتقلصت الحاجة إلى القطع المصنوعة يدويا. شيئا فشيئا، بدأت محلات الصفارين والحدادين تغلق أبوابها، وتحل مكانها متاجر أو مطاعم أو محلات تجارية عصرية.
الحنين والهوية
ومع ذلك، بقيت لهذه الحرف مكانة في ذاكرة الكويتيين. فكثيرون يحتفظون ببعض الأواني النحاسية القديمة، كنوع من الزينة أو التذكير بالأيام الخوالي. والبعض يعرضها في المجالس، أو يورثها للأبناء كجزء من تراث العائلة.
بل إن بعض الجهات الرسمية والجمعيات التراثية بدأت تعيد إحياء هذه الحرف في معارض تراثية ومهرجانات شعبية، كمحاولة لحفظ ما تبقى من المهارة والفن التقليدي الأصيل.
برأيك:
. هل سبق وشاهدت الصفار أو الحداد يعمل أمامك؟
. هل تعتقد أن هذه المهن يجب أن تدرس بالمدارس؟
. هل تحتفظ أسرتك بأي قطعة نحاسية قديمة تعد جزءا من ذاكرة البيت؟

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.
بارك الله فيك يا استاذ علي ابو هاشم في توثيق الحرف اليدويه في زمان قبل التطور واكتشاف النفط، في الحقيقة كانت مصانع يدوية وتحتاج تطويرها وجعلها مصانع تنمو مع الزمن
شكرا لكم على قراءة المنشور والتعليق عليه. مزيدا من الحرف والصناعات الكويتية القديمة سوف نقوم بنشرها قريبا.