الضيافة الكويتية: ديوانية الأمس وكافيه اليوم
في الكويت، لم تكن الضيافة يوما مجرد عادة اجتماعية، بل كانت حجر الأساس في بنية المجتمع الكويتي، وقيمة تمارس بقلوب مفتوحة وأبواب لا تغلق. فمنذ القدم، شكلت الديوانية رمزا للتآلف، وملتقى للحديث، ومكانا تنسج فيه علاقات تدوم لأجيال. واليوم، وبين أروقة المقاهي الحديثة، وأجواء الكافيهات العصرية، تستمر الضيافة لكن بطابع مختلف يعكس تحولات المجتمع وتبدل أنماط الحياة.
الديوانية: القلب النابض للفريج
في الزمن القديم، كانت كل فريج (حي) يزدهر بالدواوين. وهي مساحة مخصصة في البيوت، تفرش بالسجاد العربي، وتضاء بقناديل الزيت، وتقدم فيها القهوة والشاي والبخور، ويستقبل صاحبها زواره يوميا أو أسبوعيا. لم يكن ارتياد الديوانية مجرد ترف، بل واجب اجتماعي، ومن خلالها تناقش القضايا العامة والخاصة، تحل الخلافات، وتبنى التحالفات، بل ويتخذ فيها أحيانا قرارات سياسية غير رسمية قبل نشوء المجالس الحكومية.
وكانت الديوانية تقسم أحيانا بحسب نوع روادها: منها ديوانيات النواخذة والتجار، وأخرى لرجال الدين أو الشباب، وبعضها يختص بالشعر والمطارحات الأدبية، فتتحول لمنتدى ثقافي حقيقي. وتعتبر الديوانية كذلك المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الشاب أصول الحوار، والكرم، وحكمة الكبار.
الضيافة الكويتية: من دلة القهوة إلى طاولة النقاش
ارتبطت الديوانية دوما بتقاليد ضيافة صارمة وجميلة. تبدأ باستقبال الضيف بعبارة “يا هلا ومرحبا”، يليها تقديم فنجان القهوة العربية، يسكب باليمين، ويشرب بأدب، ولا يعاد ملؤه إذا هز الفنجان. ثم يأتي دور الشاي، وأحيانا تقدم التمرات واللقيمات والحلويات التقليدية.
ولم يكن الضيف بحاجة إلى دعوة، فالديوانية بيت للجميع. وكان الكويتي يفاخر بعدد ضيوفه، ويعتني بأدق تفاصيل راحتهم، لأنها مرآة شخصيته وكرمه.
كافيه اليوم: الديوانية الحديثة؟
مع تحولات الزمن، وتغير وتيرة الحياة، ظهرت أشكال جديدة من التجمعات، أبرزها الكافيهات والمطاعم ذات الطابع الاجتماعي. لا سيما لدى الشباب، أصبح الكافيه مكانا مفضلا للقاء الأصدقاء، والنقاش، والجلوس لساعات مع القهوة المختصة أو الحلويات الفاخرة.
بعض الكافيهات في الكويت تحاول إعادة إحياء الروح التراثية للديوانية، من خلال تصميمها الداخلي المستلهم من الطابع الكويتي القديم، أو من خلال تقديم الضيافة التقليدية مثل الشاي العدني، والسحلب، والبقلاوة، ولكن بروح العصر.
غير أن الفرق بين الديوانية والكافيه لا يقتصر على الشكل أو المكان، بل في طبيعة العلاقات. فبينما كانت الديوانية تقوم على معرفة عميقة وروابط اجتماعية قوية، تبدو الكافيهات اليوم أكثر عفوية، وأحيانا سطحية، إذ لا تجمع مرتاديها روابط فريج أو عائلة، بل الاهتمام المؤقت أو الترفيه.
الضيافة الرقمية: جيل جديد من اللقاءات
ومع دخول التكنولوجيا، باتت الضيافة في الكويت تتخذ أشكالا جديدة: الديوانيات الافتراضية على تطبيقات مثل Zoom و Spaces في تويتر، حيث يجتمع الناس للنقاش أو تبادل الخبرات. بل إن بعض العائلات تنظم لقاءات أسبوعية عبر الإنترنت، خاصة مع سفر الأبناء أو تقاعد الكبار. هذه التغيرات لا تعني تراجع قيمة الضيافة، بل انتقالها إلى منصات جديدة، مع الحفاظ على جوهرها: الترحيب، والاحترام، والتقارب.
فهل فقدت الديوانية بريقها؟
رغم كل التغيرات، لا تزال الديوانية حية في قلوب الكويتيين. صحيح أن أعداد مرتاديها قد تقلصت، خاصة من فئة الشباب، إلا أنها ما زالت قائمة، وتعود بقوة في المناسبات مثل رمضان، والأعياد، والانتخابات، بل وتفتح ديوانيات شبابية جديدة تحاول الجمع بين الأصالة والتجديد.
هل ما زلت ترتاد الديوانية؟
أم أصبحت تفضل الكافيه أو اللقاءات الرقمية؟
وهل تعتقد أن روح الضيافة الكويتية ما زالت قوية كما في السابق؟
شاركنا تجربتك في التعليقات وقل لنا: هل تفضل الديوانية أم الكافيه؟
مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.
