المجبوس: طبق الكويت الأول على المائدة
في كل بيت كويتي، هناك رائحة لا تنسى. رائحة تبدأ منذ لحظة غلي اللحم أو الدجاج، مرورا بإضافة البهارات، وانتهاء بصوت الرز وهو يتنفس في الجدر الكبير. تلك ليست مجرد طبخة، بل هي طقس اجتماعي ومشهد من مشاهد الذاكرة. المجبوس، أو كما ينطقه البعض “مچبوس”، ليس فقط أحد أشهر الأطباق الكويتية، بل هو الطبق الذي يجمع العائلة، ويقدم في المناسبات، ويفتقد في الغربة.
المجبوس: من أين بدأت الحكاية؟
كلمة “مجبوس” تأتي من الجذر العربي “جبس”، أي كبس أو ضغط، وذلك لأن الأرز يكبس فوق اللحم أو الدجاج في القدر ويطهى معا حتى تتشرب المكونات والنكهات مع بعضها البعض. ويعتقد أن أصل الطبق له جذور من الأرز الكبسي في الجزيرة العربية، لكنه تطور بشكل مختلف في كل منطقة. وفي الكويت، صبغ المجبوس بالنكهة المحلية، حتى أصبح يحمل بصمة كويتية لا تخطئها الحواس.
المجبوس الكويتي: أسرار الطعم المحلي
إذا سألت أي طاهية كويتية عن المجبوس، ستقول لك إن السر في القلي، وهو مزيج من البصل المقلي والثوم والطماطم والليمون الأسود. يضاف هذا المزيج إلى مرق اللحم أو الدجاج بعد تحميره، وتغلى فيه البهارات التي تعرف بـ “الخلطة الكويتية” الخاصة، وهي تختلف من بيت لآخر، لكنها غالبا ما تحتوي على الهيل، القرفة، الكركم، الفلفل الأسود، والقرنفل.
ثم يأتي دور الأرز، وعادة ما يستخدم أرز بسمتي طويل الحبة الذي يطهى على المرق حتى يتشرب نكهاته كلها. وهنا تظهر المهارة: الرز لا يجب أن يكون معجنا، بل مفلفلا (نثري)، رائحته زكية، وطعمه متوازن.
الدجاج أم اللحم؟ أم السمك؟
المجبوس ليس نوعا واحدا. هناك مجبوس لحم يطهى غالبا بلحم الغنم (الخروف)، ويعتبر اختيارا فاخرا في العزائم والمناسبات الكبيرة. أما مجبوس الدجاج، فهو الخيار الأسرع والأخف، ويحضر في أغلب البيوت بشكل إسبوعي.
وهناك أيضا مجبوس (مطبق) السمك، وغالبا ما يستخدم في هذه الطبخة السمك المحلي مثل الزبيدي أو الهامور أو النقرور. يقلى السمك أولا، ويطهى الأرز في نفس القدر، ليأخذ نكهة الزفره والتوابل في آن واحد، ثم يضاف إليها السمك المقلي.
بين الماضي والحاضر
في الماضي، كانت أمهاتنا وجداتنا يطبخن المجبوس على الحطب، وكان تحضيره يستغرق ساعات. اليوم، تغيرت الوسائل، لكن الطقوس ما زالت كما هي: البيت كله يعرف أن هناك مجبوس على النار من الريحه.
حتى المطاعم اليوم، من الشعبي إلى الفاخر، لا تخلو قوائمها من المجبوس، بل هناك من المطاعم من يخصص له يوما في الأسبوع. وقد بات المجبوس سفير المطبخ الكويتي خارج البلاد أيضا، إذ يقدم في سفارات الكويت وفي الفعاليات الثقافية كمثال حي على التراث الغذائي المحلي.
المجبوس: أكثر من وجبة
في النهاية، المجبوس ليس مجرد طبخة تؤكل. هو ذاكرة تطبخ، وتاريخ يعاد يوميا على موائدنا. هو طبق نتوارثه، ونضيف عليه من لمستنا دون أن نغير جوهره. وعندما يجتمع أفراد العائلة حوله، تصبح أكثر من وجبة، تصبح رمزا للدفء والانتماء.
هل جربت يوما أن تطبخه بنفسك؟ وإن فعلت، فهل كانت رائحة الطبخ تشابه طباخ أمك؟

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.