المرأة الكويتية بين الماضي والحاضر: قصص تمكين وتحديات
في زوايا الفرجان القديمة، كانت المرأة الكويتية تتحرك بصمت، لكن أثرها كان مدويا. لم تكن فقط ربة منزل، بل كانت عمادا اقتصاديا واجتماعيا، تتحمل مسؤولية البيت في غياب الرجل الذي يغوص طلبا للرزق، وتدير شؤون الأسرة بحكمة واقتدار. كانت تجهز الزاد، وتربي الأولاد، وتغزل وتصنع وتبيع إن اقتضت الحاجة.
من فريج الصبر إلى منابر القرار
في الماضي، لم يكن للمرأة الكويتية منصات تبرز صوتها، لكنها كانت حاضرة بقوة في تفاصيل الحياة اليومية. نساء مثل “أم مبارك” التي كانت تدير دكانا صغيرا في ظل الحياء، و”أم حسين” التي كانت تطبخ للغواصين، وغيرهن ممن عرفن في الفريج بسداد الرأي وحسن التدبير. هذا الحضور الخفي زرع جذور الوعي والمسؤولية.
ومع بداية الستينيات، وبعد الاستقلال، بدأ مشهد المرأة يتغير تدريجيا. التحقت بالمدارس، ثم الجامعات، وسرعان ما وجدت نفسها في سلك التعليم، ثم الصحة، فالعمل الإداري والحكومي.
أول الخطوات وأول التحديات
لم يكن الطريق معبدا دائما. واجهت المرأة الكويتية نظرة تقليدية مجتمعية، تتأرجح بين المحافظة والتغيير، لكن دعم الأسرة والدولة ساعدها على تخطي العقبات. بدأت تبرز أسماء نسائية في التعليم مثل الشيخة بيبي السالم، وفي الطب مثل الدكتورة سعاد الصالح، وفي الإعلام مثل أمل عبد الله، وغيرهن كثيرات مهدن الطريق لغيرهن.
وفي عام 2005، نالت المرأة الكويتية حقوقها السياسية كاملة، بما في ذلك حق الترشح والانتخاب، بعد سنوات من النقاش والنضال. وقد كان فوز أربع نساء بعضوية مجلس الأمة عام 2009 لحظة فارقة في المشهد السياسي والاجتماعي الكويتي.
المرأة الكويتية اليوم: حضور لافت وفاعلية متزايدة
اليوم، تشارك المرأة الكويتية في كل القطاعات:
- في الاقتصاد، تدير شركات ناشئة وتنافس في سوق ريادة الأعمال.
- في القانون، أصبحت محامية وقاضية.
- في الجيش والشرطة، بدأت تلتحق بالأجهزة الأمنية وتكسر حاجزا تقليديا طالما كان حكرا على الرجال.
- في الإعلام والثقافة، تكتب وتنتج وتقدم محتوى مؤثرا.
- في العمل التطوعي، لها نصيب كبير، من تنظيم الفعاليات إلى إدارة المبادرات المجتمعية.
تحديات لا تزال قائمة
رغم هذا التقدم، لا تزال المرأة الكويتية تواجه بعض التحديات، منها:
- التوازن بين العمل والحياة الأسرية في ظل غياب سياسات دعم واسعة للأمهات العاملات.
- الفجوة في تمثيل المرأة في المناصب القيادية والوزارية.
- مقاومة بعض التيارات الاجتماعية لدورها في بعض القطاعات أو مشاركتها السياسية.
لكن المرأة الكويتية أثبتت دوما أنها قادرة على التعامل مع التحديات بعقل ناضج وإرادة حديدية، مستندة إلى تاريخ طويل من المسؤولية والاستقلال.
قصص تستحق أن تروى
لكل امرأة كويتية حكاية. من “أم صالح” التي ربت أولادها بعد وفاة زوجها، إلى الطبيبة “فاطمة” التي تسهر الليالي في المستشفيات، إلى الريادية “نورة” التي أسست مشروعها من الصفر، إلى المعلمة “سعاد” التي تدرس أجيالا في منطقة نائية بحب وشغف.
هذه القصص ليست استثناءات، بل نماذج حية لنساء يصنعن الفرق كل يوم، ويضفن بصمة واضحة على وجه الكويت الحديث.
الختام: ما بين الأمس واليوم استمرار في التأثير
المرأة الكويتية لم تبدأ من نقطة ضعف، بل من نقطة قوة ناعمة، تحولت إلى قوة فاعلة. بين الماضي والحاضر، تتحد الأدوار، وتتمايز الإنجازات، ويبقى الثابت الوحيد: أن للمرأة الكويتية دورا لا يمكن تجاوزه في بناء المجتمع، وحكاياتها تستحق أن تحكى دوما، لأنها قصص تمكين وتحدي.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.