الموانئ الكويتية: شريان التجارة البحرية من نقعة الشملان إلى ميناء مبارك الكبير
منذ أن سكن الكويتيون ساحل الخليج، لم تكن الأرض وحدها موطنهم، بل البحر أيضا. ففيه اصطادوا، ومنه غاصوا، وعبره تاجروا وتنقلوا. البحر للكويتي كان المعاش والمعبر والمستقبل، ولذا نشأت النقع، ثم المراسي، ثم تحولت تلك العتبات البحرية الصغيرة إلى موانئ تقود اقتصاد البلد نحو العالم.
النقع: البداية من حيث يبدأ الموج
قبل أن تبنى الأرصفة وتمد الأرصفة الخرسانية، كانت هناك النقع. والنقعة في اللغة البحرية الكويتية تعني حفرة قرب الشاطئ، تخصص لرسو السفن الصغيرة مثل البوم والبتيل. كانت نقعة الشملان من أشهرها، وتقع عند ساحل الحي الشرقي، وينسب اسمها إلى بيت الشملان المعروف في التجارة البحرية.
ولم تكن نقعة الشملان وحدها، فهناك نقعة سعود، ونقعة هلال، ونقعة الكوت، وغيرها من النقع التي كانت تخدم أبناء الحي والسفن التابعة لأصحابها. وفي تلك النقع كان يصلح البوم وتجهز السفن لموسم الغوص أو الرحلات التجارية إلى الهند وزنجبار والبصرة.
مرسى الكويت القديم
مع ازدهار الغوص على اللؤلؤ والتجارة، برزت الحاجة إلى مراسي منظمة. في بدايات القرن العشرين، كان مرسى الكويت يشمل الساحل من قصر السيف حتى حي الشرق، وفيه كانت السفن ترسو في صفوف، ويقوم “النواخذة” والبحارة بتحميل وتفريغ البضائع يدويا. لم تكن هناك أرصفة بالمعنى الحديث، بل مجرد ممرات خشبية أو عربات تحمل البضائع من السفن إلى السوق.
ورغم بدائيته، إلا أن مرسى الكويت كان من أنشط المراسي في الخليج. وكانت البضائع الهندية من التوابل إلى الأقمشة تصل إليه لتباع في سوق التجار، كما كانت سفن الكويت تصدر التمر واللؤلؤ والصناعات المحلية.
ميناء الشويخ: أول نقلة نوعية
بعد الاستقلال وتطور الدولة الحديثة، شيد ميناء الشويخ في خمسينيات القرن العشرين، ليكون أول ميناء تجاري حديث في الكويت. موقعه الاستراتيجي داخل جون الكويت جعله مثاليا للرسو الآمن. يضم الميناء عدة أرصفة مجهزة لاستقبال الحاويات والسفن التجارية الكبيرة.
تحول الشويخ إلى القلب النابض للتجارة والاستيراد، وما زال حتى اليوم أحد أهم الموانئ في البلاد، تفرغ فيه معظم البضائع القادمة من آسيا وأوروبا.
ميناء الشعيبة: ذراع الصناعة
ثم جاء ميناء الشعيبة في الجنوب، ليرتبط بالصناعات النفطية والبتروكيماوية في منطقة الأحمدي. يخدم الميناء بشكل خاص شركات النفط، وتشحن عبره المنتجات البترولية ومشتقاتها. وتم تطويره ليواكب احتياجات القطاع الصناعي المتنامي.
■ ميناء الدوحة: لتجارة الخفيف
أنشئ ميناء الدوحة في سبعينيات القرن الماضي ليخدم السفن الصغيرة والمتوسطة، ويخفف الضغط عن ميناء الشويخ. وما زال حتى اليوم يستخدم في شحنات البضائع الخفيفة والرحلات القصيرة بين الموانئ الخليجية.
ميناء مبارك الكبير: نافذة المستقبل
في خطوة جريئة نحو المستقبل، تعمل الكويت حاليا على تطوير ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان. المشروع الذي بدأ العمل فيه ضمن “رؤية الكويت 2035″، يعد من أكبر مشاريع البنية التحتية في البلاد. يهدف إلى تحويل الكويت إلى مركز لوجستي إقليمي، يخدم التجارة القادمة من الصين وآسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط.
يضم الميناء مرافق حديثة لحاويات الشحن، ومحطة للسكك الحديدية، ومنطقة تجارية حرة. كما يتوقع أن يعزز العلاقات التجارية مع العراق وإيران ويضع الكويت في موقع استراتيجي جديد على خريطة التجارة البحرية العالمية.
من النقعة إلى المنفذ العالمي
رحلة الموانئ الكويتية هي صورة مصغرة عن تطور البلاد: من مجتمع صغير يعيش على الغوص والتجارة، إلى دولة حديثة تسعى لأن تكون مركزا تجاريا متقدما في الإقليم. وما بين نقعة الشملان وميناء مبارك الكبير، هناك قرون من الصبر، والتخطيط، والانفتاح على العالم.
عطونا رايكم
هل زرت يوما أحد هذه الموانئ؟ هل ترى أن الكويت ستنجح في أن تكون بوابة لوجستية للعالم كما كانت بوابة بحرية في الماضي؟

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.