رحلة المياه في بلد صحراوي – الكويت
في بلد مثل الكويت، حيث لا تجري الأنهار ولا تتساقط الأمطار إلا نادرا، تصبح كل قطرة ماء قصة طويلة تبدأ من قلب البحر، ولا تنتهي إلا عند الصنبور في مطبخك. وبين البداية والنهاية، هناك محطات وتقنيات وتاريخ من التحديات التي تغلب عليها الكويتيون بإرادة التطوير ومواكبة المستقبل.
من شح الموارد إلى الابتكار
لطالما عانت الكويت كغيرها من دول الخليج، من قلة الموارد الطبيعية للمياه. فالأمطار محدودة ولا توجد مصادر مياه جوفية كافية أو مستدامة، ناهيك عن انعدام الأنهار والبحيرات. وفي الماضي كان الناس يعتمدون على مياه “الآبار” و “الجنادل” التي كان يملأها المطر، أو على المياه التي تنقل من شط العرب في العراق على سفن تسمى “البغلة” أو “الشوعي”، في براميل تعرف بـ”القرابة”، لكن مع دخول عصر النفط، تغير المشهد كليا.
التحلية: الحل الثوري
أصبح البحر مصدرا رئيسيا للمياه العذبة ولكن ليس بشكله الطبيعي، بل عبر محطات التحلية، وهي منشآت عملاقة تستخرج الماء من البحر وتعطيه حياة جديدة صالحة للشرب. الكويت كانت من أوائل الدول في العالم التي تبنت هذه التقنية، وكانت أول محطة تحلية أنشئت عام 1953 في منطقة “الشويخ”، بطاقة إنتاجية متواضعة، لكنها كانت ثورة في حينها.
اليوم، تعتمد البلاد بشكل شبه كامل على تحلية مياه الخليج العربي، عبر عدة محطات رئيسية، مثل:
- محطة الشعيبة
- محطة الدوحة الشرقية والغربية
- محطة الزور الجديدة
وتستخدم هذه المحطات تقنيات متقدمة، مثل التحلية بالتقطير والتناضح العكسي (RO)، لإنتاج ملايين الغالونات من المياه يوميًا.
ماذا بعد التحلية؟
بعد إنتاج المياه، تبدأ مرحلة “النقل والتوزيع”، وهي أيضًا رحلة طويلة:
- تضخ المياه إلى خزانات مركزية ضخمة (مثل خزانات أبراج الكويت الشهيرة).
- تراقب جودة المياه من خلال مختبرات حكومية على مدار الساعة.
- توزع المياه إلى البيوت عبر شبكة أنابيب تحت الأرض تمتد لعشرات الكيلومترات.
- تخزن المياه في “التوانكي” (الخزانات المنزلية) التي تحتاج بدورها إلى صيانة دورية للحفاظ على الجودة.
هل المياه في الكويت صالحة للشرب؟
من الناحية التقنية، نعم. المياه التي تصل إلى البيوت آمنة ومعالجة، وتشرف عليها وزارة الكهرباء والماء. لكن الكثير من الناس يفضلون استخدام الفلاتر أو شراء مياه الشرب المعبأة، وذلك لأسباب تتعلق بالمذاق أو بالثقة الشخصية.
التحديات البيئية
مع أن التحلية وفرت حلا مهما، إلا أن لها آثارا بيئية، مثل:
- ارتفاع كلفة الإنتاج.
- تصريف المياه المالحة المتبقية إلى البحر، ما قد يؤثر على الحياة البحرية.
- استهلاك الطاقة العالي.
ولهذا بدأت الكويت في البحث عن مصادر بديلة، مثل:
- إعادة تدوير المياه الرمادية لبعض الاستخدامات غير الصالحة للشرب.
- تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية.
- حملات توعية للترشيد لتقليل الهدر في الاستخدام المنزلي.
الماء والهوية الوطنية
رغم كل التقدم، تبقى المياه في الكويت قضية وطنية بامتياز تمس كل فرد وكل بيت. وقد غرست في الأجيال الجديدة ثقافة احترام الماء، ليس فقط لأنه مورد نادر بل لأنه ثمرة جهد دولة بأكملها. ومن هنا جاءت مبادرات “لا تهدر”، و”قطرة بتفرق”، وغيرها من الحملات التي تزرع الوعي منذ الصغر.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.