سوق الجمعة ما بين الخردة و كنوز دفينه
في منطقة الري، وعلى امتداد مساحة شاسعة، ينبض كل نهاية أسبوع سوق لا يشبه غيره من الأسواق في الكويت. إنه سوق الجمعة، الوجهة الشعبية التي تجمع بين أطياف المجتمع كافة، الباحثين عن التوفير، أو عن التحف القديمة، أو حتى الفضوليين الذين يهوون استكشاف ما خلف كل طاولة وأكوام من البضائع المعروضة.
سوق الجمعة ليس سوقا للخردة كما يظنه البعض، بل هو مرآة لذكريات الناس، ومتحف شعبي مفتوح يحمل بين أروقته قصصا بقدر ما فيه من أدوات. هناك من يأتيه ليشتري قطعة غيار مستعملة بثمن بخس، وهناك من يخرج منه بتحفة فنية نادرة، أو عملة قديمة، أو آلة موسيقية توقفت عن العزف منذ سنوات.
يمتلئ السوق بالأكشاك العشوائية، حيث تعرض الأجهزة الإلكترونية، الملابس، الأثاث، أدوات البناء، الألعاب، وحتى الكتب القديمة. لا نظام واضح يحدد مواقع هذه البضائع، وهذا ما يمنح السوق طابعا عفويا وجاذبا، وكأن كل زائر يدخل مغامرة بحث عن شيء لا يعرفه بعد.
يتحول السوق أحيانا إلى مساحة تواصل بين بائعين مخضرمين وزبائن دائمين، تشهد بينهم مساومات تقليدية تحكمها الخبرة والنظرات، لا الفواتير. وهناك أيضا تجار صغار، شباب يحاولون بيع ما يملكون أو يجربون التجارة لأول مرة، ما يضيف إلى السوق روحا ديناميكية متجددة.
ورغم فوضى المعروضات، فإن سوق الجمعة يختزن قيمة ثقافية وشعبية كبيرة. هو ليس فقط سوقا للبيع، بل مساحة اجتماعية تذوب فيها الفوارق الطبقية، ويتقاطع فيها القديم بالجديد، والتقليدي بالرقمي، حيث أصبح كثير من الزبائن يوثقون ما يشترونه عبر حساباتهم على وسائل التواصل.

وما يميز سوق الجمعة أيضا أنه يشهد تطورا تدريجيا رغم عشوائيته، فبعض البسطات والأكشاك بدأت تتحول إلى مساحات منظمة، وبعض الباعة يستخدمون وسائل دفع إلكتروني. كما يناقش بين الحين والآخر تنظيم السوق بشكل أفضل ليصبح معلما سياحيا وتراثيا يدرج ضمن خارطة الترفيه في الكويت.
في زواياه تختبئ مفاجآت، وفي رفوفه تروى حكايات أناس عبروا هناك، تركوا وراءهم مقتنيات تحولت من “خردة” إلى “كنز” في عيون من يعرف قيمتها.
فهل سبق لك زيارة سوق الجمعة؟ وما هو أغرب أو أثمن شيء وجدته هناك؟

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.