شاطئ الشويخ متنفس المدينة قديما
قبل أن تمد الأرصفة ويرصف الإسفلت، وقبل أن ترتفع الأبراج في الأفق وتحاصر المدينة بأضوائها، كان لشاطئ الشويخ حضور خاص في حياة الكويتيين. لم يكن مجرد امتداد رملي على البحر، بل كان متنفسا حقيقيا، ومتنزها شعبيا، ومكانا للاسترخاء والتأمل واللقاءات. كان البحر هناك أقرب ما يكون إلى القلب، يهمس بموجه كل مساء، ويعانق المدينة كل صباح.
شاطئ الشويخ يقع غرب مدينة الكويت، قريبا من ميناء الشويخ الذي لم يكن قد اكتمل بعد في بدايات القرن العشرين. في تلك الفترة، كان الشاطئ منطقة مفتوحة، طبيعية، بدون حواجز إسمنتية أو تنظيمات حديثة. تأتيه العائلات سيرا على الأقدام أو على ظهور الحمير أو العربات الخشبية، تحمل معها الأكل وأغراض القعده، وتجلس على الرمل.
وكان يوم الخميس تحديدا موعدا غير مكتوب، يعرفه الجميع، حيث تتوافد العائلات من مختلف الفرجان إلى الشاطئ، يفرشون الحصر، ويشعلون النار ليعدوا الشاي أو الخبز الرقاق، ويتسامرون حتى الغروب. الأطفال يركضون حفاة على الشاطئ، يلعبون بالماء أو يصنعون أشكالا من الطين، بينما الرجال يجلسون جانبا يتحدثون عن آخر أخبار الديره، والنساء يتبادلن الحكايات ويتفقدن ما في السلال من مؤونة.
أما البحر، فكان صديقا لا يخذل. مياهه نظيفة، وموجه هادئ في أغلب الأيام، وشذاه يصل إلى الأسواق القريبة. لم تكن هناك حواجز خرسانية، بل كانت الطبيعة مكشوفة، والناس أقرب إلى الأرض والسماء والبحر. وفي أيام الصيف الحارة، كان بعض الشباب يذهبون إلى الشاطئ في الفجر، يسبحون قليلا، ثم يعودون إلى السوق أو العمل، بنشاط يجددهم ماء البحر ويوقظ فيهم الحماس.
وفي الأعياد، يتحول الشاطئ إلى ساحة فرح. يسمع صوت الطبول وتقام العرضة وتطلق البهجة في كل زاوية. لم يكن هناك تنظيم رسمي، لكن الروح الشعبية كانت تنظم المكان، وتمنحه نظاما قائما على الاحترام والعفوية.
لم يكن شاطئ الشويخ فقط للترفيه، بل كان في أحيان كثيرة مرفأ صغيرا لبعض الصيادين، وموقعا لتعليم السباحة، وحتى مكانا للاختلاء بالنفس. كان البعض يأتيه في المساء ليجلس بصمت، يستمع لصوت الموج ويتأمل الأفق. هناك من نظم فيه أولى قصائده، ومن عاش فيه ذكريات حبه الأول، ومن ودع عنده قريبا غادر على سفينة لا يعرف متى تعود.
ومع الوقت، بدأ الزمن يرسم ملامحه على الشاطئ. ظهرت أولى مشاريع التطوير، وجاءت الموانئ، والطرقات، وتغير وجه المكان. تراجع الشاطئ عن مكانته الأولى، لكنه لم يختف من الذاكرة. بقي محفورا في وجدان من عاش تلك الفترة، كمكان للبساطة والنقاء والحياة بلا تصنع.
اليوم، قد يصعب أن ترى شاطئ الشويخ كما كان، لكنك إن وقفت هناك في ساعة هادئة، وأغمضت عينيك، ربما تسمع أصوات الأطفال، وربما تتخيل جلسة عائلة تضحك على نكتة قديمة، وربما ترى ظلال من عاشوا هناك، تركوا أثرهم على الرمل ومضوا. شاطئ الشويخ لم يكن مجرد شاطئ، بل كان قلبا مفتوحا على البحر، ومتنفسا لمدينة صغيرة تحلم بمستقبل واسع.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.