الكويت: الحكاية التي بدأت من البحر وانطلقت نحو الأفق
ذات يوم، في بقعة صغيرة على الضفة الغربية للخليج العربي، كانت الرمال تعانق البحر، وكان النسيم يحمل معه رائحة الملح ممزوجة بأحلام البحارة. هناك، ولدت الكويت. لم تكن في بداياتها أكثر من محطة للقوافل وبضع أكواخ لصيادي السمك، لكنها كانت تحمل في جوفها بذرة قصة عظيمة لم تكتب بعد.
يقول كبار السن إن الكويت ليست مكانا فقط، بل شعور. شعور بالأمان في حضن الصحراء، وبالحرية في اتساع البحر، وبالكرم في وجوه الناس. ولدت الكويت من رحم المشقة، من الغوص خلف اللؤلؤ، ومن رحلات الشحن الشراعية التي كانت تغيب شهورا في البحر، قبل أن تعود محملة بالخيرات والقصص.
عرفت الكويت قديما بأنها مرفأ صغير يدعى “القرين”، ثم تغير الاسم إلى “الكويت”، تصغيرا لكلمة “كوت” وتعني الحصن أو القلعة، وهي الكلمة التي حملت في طياتها دلالة على الأمان في زمن الفوضى، وعلى الاستقرار في محيط من التحديات. كانت القلاع تبنى لحماية الناس، ولكن “كويتنا” بنت إنسانها أولا، ثم تركت له مهمة بناء القلاع.
في القرن الثامن عشر، وتحديدا عام 1752، بدأت الكويت رحلتها الجادة في رسم حدود هويتها السياسية، عندما اختار أهلها الشيخ صباح الأول كأول أمير لهم، في اتفاق شعبي نادر في تلك الحقبة من تاريخ الجزيرة العربية. كان الحكم نابعا من أهل البلد، في صورة من صور الديمقراطية البدائية التي تشهد على وعي هذا المجتمع المبكر.
كانت التجارة هي شريان الكويت. لم تكن تملك مزارع واسعة، ولا أنهارا، ولكنها كانت تملك موقعا لا يقدر بثمن. فصارت محطة للتجار من الهند، وبلاد فارس، والجزيرة، وبلاد الشام. كانت السفن الكويتية تصنع بأيد بارعة، وتبحر دون خوف، حاملة البضائع واللآلئ والبهارات، والعزيمة التي لا تنكسر.
وبينما كان العالم يتغير بسرعة، كانت الكويت تسبق التغيير بخطوة. في بدايات القرن العشرين، أصبحت منارة فكرية وثقافية. المدارس النظامية بدأت في وقت مبكر، والمجلات والجرائد صدرت بأقلام كويتية، والمسرح ولد هنا قبل أن يرى النور في كثير من دول المنطقة. لم تكن الكويت تصنع النفط فقط، بل كانت تصنع الفكر.
وعندما جاء النفط، لم يغير جوهرها، بل عزز إمكانياتها. لم تتحول الكويت إلى مدينة من زجاج فقط، بل اختارت أن تنمي الإنسان كما تنمي البنيان. وبهذا التوازن بين الحداثة والهوية، سارت الكويت بخطى ثابتة نحو المستقبل، دون أن تنسى ماضيها أو تتنكر لجذورها.
النهضة العمرانية والبنية التحتية والتعليم المجاني والرعاية الصحية وحرية الصحافة، والمجلس المنتخب، كلها لم تأت من فراغ، بل من تراكم إرث طويل من الانفتاح والتعايش والوعي الوطني.
الكويت ليست دولة نفط فقط، بل هي وطن صغير بحجم قلب، وكبير بحجم أثره في العالم. استقبلت الملايين في أزماتهم، واحتضنتهم وكأنهم من أهلها. قد تكون المساحة الجغرافية محدودة، لكن ما يتسع له قلب الكويت أكبر بكثير من كل خرائط الدنيا.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.