وسائل النقل القديمة في الكويت
في الزمن الذي كانت فيه الكويت قرية بحرية تنمو بهدوء على أطراف الخليج، لم تكن هناك شوارع معبدة، ولا إشارات مرور، ولا محطات وقود، بل كانت الحياة تمضي على إيقاع خطوات بطيئة، تترك آثارها على التراب، وتحمل معها عبق البساطة. وكانت وسائل النقل في ذلك الزمن انعكاسا حقيقيا لهذا النمط المتواضع من المعيشة، حيث اعتمد الناس على الدواب والأقدام، ثم تطورت الوسائل تدريجيا مع دخول الحداثة.
أولى وسائل التنقل في الكويت كانت الأقدام. نعم، كان الناس يسيرون لمسافات طويلة تحت حرارة الشمس، بين الأسواق والفرجان، أو من البيوت إلى البحر. لم يكن هذا غريبا أو شاقا آنذاك، بل جزءا من الحياة اليومية، والناس كانوا يعرفون بعضهم البعض، فيسيرون معا ويتبادلون الحديث في الطريق.
ثم جاءت الحمير والبغال كوسائل نقل رئيسية، خاصة لنقل البضائع والأمتعة. كانت هذه الحيوانات الصغيرة تتحمل حرارة الشمس وتعرف طرق المدينة الضيقة، وتستخدم بكثرة في توصيل الخضار أو الحطب أو الماء. وكان هناك من يتخصص في تأجير الحمير، أو يعمل “سائقا” لها، يقودها من بيت إلى بيت، ويعرف الزبائن واحدا واحدا.
أما الإبل، فكانت تستخدم في الرحلات الطويلة، خاصة نحو البر أو المناطق البعيدة عن المدينة. كانت القوافل تتكون من عشرات الجمال، تحمل على ظهورها التمر، والزاد، والماء، وتسير لعدة أيام في الصحراء، في مشهد كان جزءا من الثقافة الكويتية قبل ظهور السيارات.
مع بداية القرن العشرين، بدأت العربات الخشبية تدخل الحياة اليومية. كانت تجرها الحمير أو الخيول، وتستخدم لنقل الناس في المناسبات أو في زيارات رسمية، وتزين أحيانا في الأعراس. وكانت هذه العربات تمثل درجة من الرفاهية، يشار إليها بين الناس باحترام، ويقال عن من يملكها إنه من أهل الحظ والمال.
ثم، ومع ازدياد التواصل مع الخارج، وخاصة الهند والعراق، بدأت تصل إلى الكويت الدراجات الهوائية. كان منظر شخص يقود دراجة في أحد الأسواق ملفتا للأنظار في البداية، لكنه سرعان ما أصبح مألوفا. وكان الشباب خصوصا يحبون استخدامها، لما فيها من سرعة وخفة وسهولة في التنقل.
وفي الثلاثينيات والأربعينيات، دخلت السيارات إلى الكويت، بداية بسيارات محدودة تعود للتجار أو المقيمين الأجانب، ثم بدأ الأهالي باقتنائها، رغم صعوبة الحصول على الوقود أو قطع الغيار. وكانت الطرق لا تزال ترابية، فتثير السيارات الغبار خلفها، وتحتاج لصيانة دائمة، لكن الناس كانوا ينبهرون بها ويقفون لتأملها تمر، كما لو أنها مركبة من عالم آخر.
ومن أبرز السيارات في تلك المرحلة ما كان يُرف بـ الدوابيت، وهي شاحنات صغيرة استخدمها الأهالي لنقل الركاب والبضائع داخل المدينة، خاصة بين السوق والميناء أو إلى القرى المحيطة. وكان ينادى على الركاب في الشوارع: “فريج فلان” أو “السوق” ويصعد من يريد، مقابل أجر زهيد.
وسائل النقل القديمة لم تكن مجرد أدوات، بل كانت جزءا من نسيج الحياة. كانت الحمار يعرف طريق البيت، والجمل يعامل كصديق، والدراجة تركن عند الباب بلا قفل، والسيارة تغسل باليد وتعتنى بها كأنها فرد من العائلة.
واليوم، حين نتحرك بسرعة في شوارعنا الحديثة، بالكاد نلتفت لوسيلة النقل. لكن هناك زمنا كانت فيه الرحلة جزءا من المتعة، وكانت الخطوة بحد ذاتها حكاية. في الكويت القديمة، لم تكن المسافة تقاس بالكيلومترات، بل بظل نخلة، أو ببيت صديق على الطريق، أو بضحكة طفل يركض خلفك، يطلب منك أن تصحبه على ظهر الحمار.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.