ألعاب الأطفال الشعبية في الكويت
في شوارع الكويت القديمة، بين الفرجان الضيقة والساحات الرملية، كانت ضحكات الأطفال تصدح مع كل مغيب شمس، تشكل سيمفونية يومية تعزفها أقدام صغيرة وقلب نابض بالحياة. لم يكن هناك ملعب معشب أو ألعاب إلكترونية، بل كانت الأرض ملعبا، والعصا أداة، والحصى زينة للفرح. تلك كانت أيام الألعاب الشعبية، حين كانت الطفولة تصنع المرح من التراب والنخيل والهواء.
في الكويت، عرفت ألعاب الأطفال بطابعها الحركي الجماعي، الممزوج بمهارات بسيطة وأغنيات متوارثة، وغالبا ما كانت تمارس في الهواء الطلق، بعد انتهاء ساعات الدراسة أو في أوقات العصر والليل، حين يبرد الجو وتخفت الشمس.
الحيله (الحجلة)
من أشهر ألعاب البنات في الكويت. ترسم مربعات متجاورة على الأرض باستخدام الفحم أو أي أداة حادة، وتقوم الفتاة بالقفز على قدم واحدة في المربعات، بعد أن ترمي قطعة حجر صغيرة تسمى “الدبة”. تتطلب هذه اللعبة توازنا ودقة، وكانت الفتيات يتنافسن فيها بحماس وسط تشجيع الصديقات.
الدرباحه
لعبة مشهورة بين الأولاد، تستخدم فيها عجلة معدنية أو إطار حديدي صغير، يتم دفعه بعصا طويلة. يتطلب التحكم بالعجلة مهارة في التوازن والتوجيه، وكان الأولاد يتباهون بسرعتهم وقدرتهم على التلاعب بالعجلة عبر طرقات الفريج.
المقصى
تلعب باستخدام عصاتين، إحداهما قصيرة والأخرى طويلة. يتم ضرب العصا القصيرة بالعصا الطويلة لتطير في الهواء، ثم يحاول اللاعب ضربها مرة أخرى وهي في الجو. كانت لعبة المقصى اختبارا للقوة والسرعة، وغالبا ما كانت تمارس في الساحات الواسعة بعيدا عن البيوت لتفادي كسر النوافذ.
عنبر
تعتبر من الألعاب الجماعية التي تمارس باستخدام علب معدنية أو أحجار ترتب بشكل هرمي، ثم يقذف بها بكرة أو قطعة قماش ملفوفة. الهدف هو إسقاط كل الأحجار، ثم إعادة ترتيبها دون أن يمسك الفريق الآخر اللاعب. فيها الكثير من الجري والحماس، وهي من الألعاب التي تجمع بين الدقة واللياقة البدنية.
القليلبه
في صباحات العيد، حين تعج الساحات بضحكات الأطفال وروائح الحلوى، كانت القليلبة تقف شامخة بين باقي ألعاب العيد، كأنها لعبة سحرية من عالم آخر. صف من الكراسي الخشبية، مربوطة على دائرة، تدور للأعلى ثم تهبط في انسيابية، وتصدر صريرا كأنها تهمس بالفرح.
يجلس الصغار على المقاعد المتأرجحة، ويمسكون بالكرسي بحذر وعيونهم تتلألأ. يدفعها رجل بيديه القويتين، وتبدأ الرحلة. كانت تدور ببطء أولا، ثم تزداد سرعتها شيئا فشيئا، حتى يعلو الصراخ، وتغمر البهجة القلوب. لم تكن القليلبة مجرد لعبة، بل لحظة حلم في ذاكرة طفل، وحكاية لا تغيب عن العيد، مهما تقدّمت السنوات.
كانت هذه الألعاب تمارس دون إشراف أو تنظيم، لكن الأطفال كانوا يضعون قوانينهم الخاصة، ويتعلمون من خلالها مبادئ مثل التعاون، والدور، واحترام الغير. وكان للعبة وقتها، وللفريج أبطاله الذين يعرفون ببراعتهم في “الحيله” أو “المقصى” أو غيرها.
تلك الأيام، حين كانت الرمال ملعبا، والجدران صدى للضحكات، لا تزال تعيش في ذاكرة الكويتيين، تحمل عبق البساطة وروح الفريج، وتذكرنا أن الطفولة لا تحتاج أكثر من قلب مفتوح وسماء واسعة لتصنع عالما من الفرح.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.