أسرار الجمال في ذاكرة المرأة الكويتية
في الزمن الذي كان كل شيء فيه أبطأ، أعمق، وأكثر دفئا، كانت المرأة الكويتية ترسم لنفسها ملامح الجمال من عناصر الطبيعة والتراث، لا من عبوات مستوردة أو صالونات فاخرة. الكحل، الطيب، والبخور، كانت ثلاثية الجاذبية والأصالة في عالم النساء، لا مجرد أدوات تجميل، بل طقوس يومية، وعادات راسخة، تحكي عن الهوية والذوق والذاكرة.
الكحل: لمسة جمالية وحماية للعين
منذ الطفولة، تتعلم الفتاة الكويتية أن الكحل ليس فقط زينة، بل حكاية. كان يحضر في البيوت من حجر الأثمد الذي يحمص على النار ثم يطحن حتى يصبح ناعما، ويحفظ في محاقن صغيرة (مكحلة) من الفضة أو النحاس. يستعمل الكحل في المناسبات اليومية، لا سيما في الأعياد، الأعراس، أو حين تكون المرأة خارجة للديوانية النسائية أو للزيارات.
وكان يعتقد أن للكحل فوائد طبية أيضا، فهو يقي العين من التهيج والغبار، وينقيها، وله أثر علاجي كما جاء في وصفات الطب الشعبي. كما أن جمال العين المكحلة أصبح رمزا شعريا في الثقافة الكويتية، تتغنى به الأغاني والأمثال، وتستحضره الجدات حين يروين قصص الحب القديمة.
الطيب: الهوية المعطرة
“ريحة الطيب ما تنسى”، كان العطر جزءا من شخصية المرأة، وربما أول ما يميزها عند دخولها إلى المجلس أو حضور مناسبة. لم تكن العطور تشترى لمجرد الرائحة، بل لتأثيرها وطابعها. دهن العود، المسك، الورد والعنبر كانت الروائح السائدة، وتخلط يدويا في بعض البيوت وفق وصفات تتوارثها النساء.
كانت المرأة تمزج دهن العود مع قليل من المسك الأبيض وتحتفظ بالخليط في قارورة صغيرة داخل “المشل” أو “السدو”، لتضع منه خلف أذنيها أو على أطراف شعرها قبل الخروج. وفي بعض المناسبات، كانت تضعه على حواف “الدراعة” ليبقى أثره واضحا عند السلام والجلوس.
ومن الطريف أن النساء في الزمن القديم كن يعتبرن الريحة الطيبة دليلا على حسن التربية والاهتمام بالنظافة والشخصية. لذا كانت الأم تعلم بناتها من سن مبكرة كيف “تتعطر بذوق”، لا أن تضع العطر بلا ترتيب، بل “بحشمة وأناقة”.
البخور: البيت لا يكتمل بدونه
كان البخور طقسا يوميا، لا يمر يوم دون أن يشعل في البيوت. بعد التنظيف أو الغداء أو استعدادا للمساء، كانت المرأة تشعل مبخرتها، وتضع فيها قطع العود المخمر، أو خلطات جاهزة تعرف بأسماء مثل “السيوفي”، “الملكي”، أو “الشيوخي”. وتترك المبخرة تمر على أركان البيت، تحت الثياب، أو تمرر على الشعر، في طقس يعرف بـ”التبخر”.
وكانت النساء يحتفظن بالبخور في صناديق خاصة، بعضها منقوش أو مزخرف، ويهدى في الأعراس والمناسبات. حتى أن المهرجانات النسائية واللقاءات العائلية لم تكن تبدأ قبل أن تمر المبخرة على الجالسات واحدة تلو الأخرى.
وفي الزمن الذي لم تكن فيه الروائح الاصطناعية منتشرة، كان البخور يمثل شخصية البيت، فمن يعرف المرأة يعرف بخورها، ولكل بيت رائحته الخاصة.
بين الأمس واليوم
رغم تبدل العادات، لا تزال هذه الطقوس تعيش في بيوت كثيرة، سواء عبر استعادة ذكريات الجدات، أو عبر العودة إلى منتجات العود والكحل التقليدي في المناسبات الخاصة. وقد تكون المفارقة أن كثيرا من دور العطور العالمية بدأت مؤخرا بالعودة إلى النفحات الشرقية التي كانت المرأة الكويتية تتفنن بها منذ عقود.
في بعض الأعراس اليوم، تقدم هدايا العطور التقليدية، وتجهز العروس بعلب بخور ودهن عود فاخر، كإرث متجدد. وحتى بعض الشابات أصبحن يتعلمن كيف يصنعن خلطة عطرية شخصية، تماما كما كانت تفعل أمهاتهن.
شاركنا برأيك
- هل تحتفظين حتى اليوم بزجاجة كحل أو دهن عود ورثتها عن أمك أو جدتك؟
- ما هي أول رائحة تتبادر إلى ذهنك حين تتذكرين زيارات العائلة أو الجلسات القديمة؟
- وهل تفضلين العطور الغربية أم ما زلت مخلصة للعود والورد والمسك والعنبر؟

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.