قصة اكتشاف النفط في الكويت
قبل أن ترتفع أبراج الحفر، وقبل أن تتلألأ أضواء المصافي، كانت الكويت أمة بحرية، يقتات أهلها من صيد اللؤلؤ والتجارة والملاحة. لكن تحت أقدامهم، كانت ترقد ثروة صامتة، تنتظر أن يكشف عنها الستار: النفط. قصة اكتشاف النفط في الكويت ليست مجرد فصل اقتصادي، بل منعطف تاريخي رسم ملامح الدولة الحديثة، وغير حياة الناس من عمقها.
ما قبل الاكتشاف: حين كانت السماء مصدر الرزق
في مطلع القرن العشرين، عرفت الكويت ظروفا معيشية قاسية. فمواسم الغوص كانت شاقة، ومردودها غير مضمون. كانت السفن الخشبية مثل البوم والشوعي والبغلة تمخر عباب الخليج تحمل معها آمالا وهواجس. وعلى اليابسة، كان الناس يزرعون ما تيسر من النخيل، ويعتمدون على تجارة القوافل، ويتبادلون السلع في أسواق بسيطة، مثل سوق المباركية، لكن بين فقر السطح، كانت الأرض تخبئ ثروتها الكبرى.
الخطوات الأولى: امتيازات التنقيب
في عام 1934، وقعت أول اتفاقية امتياز نفطي بين حكومة الكويت وشركتي نفط هما:
شركة نفط الكويت المحدودة، المملوكة مناصفة بين شركة البترول البريطانية (BP) وشركة غلف أويل الأمريكية.
حملت هذه الاتفاقية معها أحلاما كبيرة، لكنها لم تكن مضمونة النتائج. فالنفط لم يكن مؤكد الوجود، والتقنيات ما تزال بدائية، والتحديات المناخية والجغرافية كانت كبيرة.
حقل برقان: الشرارة الأولى
في عام 1938، جاء الخبر المنتظر: تم اكتشاف النفط بكميات تجارية في حقل برقان جنوب البلاد. لم يكن مجرد كشف جغرافي، بل إعلان لبداية عصر جديد. ومع ذلك، لم يتم تصدير أول شحنة نفطية إلا بعد سنوات، إذ تعطلت الأعمال بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939–1945).
أول شحنة وبداية التحول
في 30 يونيو 1946، شهدت الكويت لحظة تاريخية لن تنسى. تحت أنظار الشيخ أحمد الجابر الصباح، انطلقت أول ناقلة نفط محملة بـ”الذهب الأسود”، من ميناء الأحمدي إلى العالم. كانت تلك اللحظة إيذانا بانتهاء مرحلة، وبداية أخرى كليا.
بدأت ملامح الكويت تتغير:
- شقت الطرق المعبدة.
- أنشئت المستشفيات والمدارس.
- بدأت مشاريع البنية التحتية الحديثة.
- وظف الكويتيون في أعمال النفط، وتلقوا تدريبات تقنية.
وبين عشية وضحاها، انتقل الاقتصاد من الاعتماد على البحر إلى الاعتماد على الطاقة.
الأحمدي مدينة النفط
تأسست مدينة الأحمدي لتكون مركزا لعمليات النفط وسكن الموظفين. صممت على الطراز الإنجليزي، بمنازل ذات حدائق ونظام تخطيط عصري. أصبحت المدينة رمزا للتحول العمراني والاجتماعي، وكان فيها أول نادي سينما، وملاعب رياضية، وأول نظام إنارة حديث خارج مدينة الكويت.
النفط والمجتمع
لم يكن التأثير اقتصاديا فقط، بل اجتماعيا وثقافيا أيضا. تغيرت ملامح الحياة اليومية للكويتيين، فدخلت الكهرباء والماء العذب البيوت، وظهرت الوظائف الإدارية والفنية الجديدة، وتحسنت مستويات المعيشة. لكن الدولة لم تنس تاريخها، فحافظت على الهوية الكويتية، وساندت التعليم، وبدأت في بناء مؤسسات الدولة الحديثة، استعدادا للاستقلال الذي تحقق في عام 1961.
هل غير النفط كل شيء؟
منذ أول قطرة صدرت، مازال النفط يشكل العمود الفقري للاقتصاد الكويتي. لكنه أيضا يطرح تحديات دائمة حول التنويع الاقتصادي، واستدامة الموارد، ودور الشباب في رسم مستقبل جديد.
وماذا عنك؟
هل زرت حقل برقان أو مدينة الأحمدي؟
هل ترى أن الكويت بحاجة اليوم إلى قصة تحول جديدة كما حدث في 1946؟
شاركنا رأيك، ولنعيد معا اكتشاف روح الكويت من جديد.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.