الخراز: صناعة الأحذية قديما في الكويت
في زوايا الأسواق القديمة، بين نداءات الباعة وروائح القهوة المنبعثة من الدكاكين، كان صوت المطرقة الصغيرة وهو يطرق الجلد ينبئك بأنك تقترب من محل “الخراز”. إنها المهنة التي حيكت تفاصيلها بعرق الأيدي الماهرة، وكانت في يوم من الأيام جزءا لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية في الكويت.
مهنة الخراز: تاريخ وحرفة
“الخراز” هو صانع الأحذية اليدوية من الجلود، وهي حرفة قديمة عرفها الكويتيون منذ بدايات نشأة الأسواق التقليدية مثل سوق المباركية وسوق الداخل. وكانت الحاجة إلى الأحذية القوية والعملية، القادرة على تحمل طبيعة الأرض الرملية والحرارة الشديدة، سببا في رواج هذه الحرفة لعقود.
كان الخرازون يستخدمون جلود الحيوانات الطبيعية كالماعز أو البقر، فيقصونها بدقة، ويطوعونها بأدوات يدوية، ثم يخيطونها بخيوط متينة تصمد أمام قسوة الاستخدام اليومي. وكانوا يصنعون أنواعا متعددة من النعال مثل “النجدي” و “النعال الكندري”، الذي نسب لاحقا إلى منطقة شرق آسيا لكنه اكتسب تسميته محليا بسبب أحد التجار الكويتيين المشهورين به.
أدوات الخراز
في محله الصغير، تجد طاولة خشبية مغطاة بقطع الجلد بألوانها الطبيعية، ومجموعة أدوات مثل:
- المخرز: يستخدم لثقب الجلد.
- المقص الخاص بالجلد: أكثر حدة من المقص العادي.
- الإبرة الكبيرة وخيط “السنارة”: لخياطة الطبقات.
- المطرقة الخفيفة: لتسوية الجلد بعد خياطته.
كل أداة تحمل تاريخا، وكل ضربة تحمل قصة، وكان كل خراز يعرف بإتقان بصمته على النعل، سواء في طريقة الخياطة أو النحت على الجلد.
موقع الخراز في السوق
غالبا ما كان محل الخراز يتوسط الأسواق بجانب الخياطين والعطارين، فتراه ينادي على الزبائن بابتسامة صادقة، ويستعرض أمامهم الأحذية المصنوعة حديثا، أو يبدأ بفحص الأحذية القديمة التي جاء أصحابها لإصلاحها بدلا من استبدالها.
واللافت أن بعض الخرازين لم يكونوا مجرد صانعين، بل كانوا فنانين في فن النقش والزخرفة، فيزينون النعال برسومات بسيطة يدوية، ويلبون طلبات خاصة حسب ذوق الزبون.
تراجع المهنة وبقاياها
مع دخول الأحذية المستوردة إلى الأسواق، تراجعت حرفة الخرازين، وأغلقت معظم المحال تدريجيا. فمعظم الناس بدأوا يفضلون الأحذية الجاهزة المستوردة لرخص سعرها وتعدد تصاميمها. غير أن القلة من الحرفيين تمسكوا بإرثهم، وتحولت المهنة من ضرورية إلى فنية، يطلب منهم الآن “نعال تراثي” لعرضه في الديوانيات أو لارتدائه في المناسبات الشعبية.
رمزية ثقافية
في الذاكرة الكويتية، يظل الخراز رمزا للبساطة والكفاءة. فكم من طفل كويتي في الخمسينيات والستينيات كان يذهب مع والده لشراء “نعل جديد”، وكم من أبناء الجيل القديم يتذكرون رائحة الجلد الطبيعي، وصوت المطرقة الصغيرة وهي تدق على الجلد.
هل احتفظت يوما بحذاء صنع خصيصا لك؟
وهل تذكر أول مرة لبست فيها “نعالا” صنع يدويا في الكويت؟

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.