العوائل المؤسسة: من سكن الكويت أولا؟
حين يذكر اسم الكويت، تستحضر صورة بلد نشأ على ضفاف الخليج، وازدهر رغم صعوبة الطبيعة وقلة الموارد. غير أن القصة لم تبدأ يوم اكتشاف النفط، بل سبقت ذلك بزمن طويل، حين اجتمع رجال من مختلف الأصول والقبائل واستقروا على تلك البقعة الساحلية الصغيرة، فأسسوا نواة المجتمع الكويتي الذي نعرفه اليوم. من هؤلاء، انطلقت الحكاية.
في بدايات القرن الثامن عشر، كانت الأرض التي تعرف اليوم بالكويت تعرف باسم “القرين”، وهي منطقة صغيرة تطل على الساحل الشمالي من الخليج العربي. وكان البحر مصدر الرزق الوحيد، فمنه تصاد الأسماك وتجلب اللآلئ، وعليه تنقل البضائع في سفن شراعية شيدت بأياد خبيرة. هنا، جاءت العوائل الأولى.
كانت عائلة الخليفة من أوائل من سكنوا هذه المنطقة، وقد عرفت بتجارتها البحرية وصلاتها الوثيقة مع المناطق المجاورة. تبعتها عائلة الجلاهمة، التي امتازت بعلاقاتها القبلية والسياسية في شبه الجزيرة العربية. كما جاءت عائلة الزايد التي يعود نسبها إلى آل البيت، وكان لها دور ديني واجتماعي مرموق. وفي أحياء الكويت القديمة، نسمع أيضا عن الرومي، وهي عائلة برزت في الغوص وصناعة السفن، وكذلك العبدالجليل، ذات التاريخ الطويل في التجارة والبناء، والدويسان والمزيدي اللتان اشتهرتا بعراقة النسب ودور في الحياة الاجتماعية المبكرة.
شكلت هذه العوائل مع غيرها فرجان الكويت الأولى، التي كانت بمثابة خلايا اجتماعية متماسكة. لم تكن الفرجان مجرد أحياء سكنية، بل كان كل فريج يضم مسجدا صغيرا، وسوقا شعبيا، ودكاكين التي تديرها نساء العائلة في بعض الأحيان، ومكانا يجتمع فيه الرجال لمناقشة شؤونهم. كان الجار يعامل كالأخ، والبيت يفتح للمسافر قبل القريب.
لم تكن حياة العوائل الأولى سهلة. فقد واجهوا شح الماء، وحرارة الصيف، وعواصف البحر. لكنهم تقاسموا الخبز والتعب، حتى بنوا كيانا اجتماعيا متماسكا، وكانت ديوانياتهم هي النواة الأولى للحكم والشورى، قبل أن تتبلور الدولة الحديثة.
وقد توج هذا التأسيس باختيار صباح بن جابر حاكما للكويت عام 1752، في اتفاق تاريخي بين أهل البلاد، اختاروا فيه الاستقرار على أن يعيشوا في فوضى النزاعات، مؤسسين بذلك عهدا جديدا من الحكم المحلي، مبنيا على الشورى، والرضا، والتكافل.
ولعل من المدهش أن العوائل المؤسسة لم تكن جميعها من أصل واحد. فبعضها جاء من نجد، وبعضها من جنوب العراق، وبعضها من فارس. لكنهم جميعا انصهروا في بوتقة واحدة اسمها الكويت. كانوا مؤمنين بأن الوطن لا يبنى بالعرق وحده، بل بالشراكة.
واليوم، حين نسير في أزقة فريج جبله أو شرق أو المرقاب، ونستمع لأحاديث الكبار عن “فلان ولد فلان”، ندرك أن جذور هذه العوائل ما زالت ممتدة، وأن ذكراهم حية في ذاكرة الوطن، رغم تغير الوجوه وتبدل الأحياء.
فهل تعرف عائلتك من أي حي بدأت؟ شاركنا ما تعرفه عن بدايات العائلة في الكويت، فقد تكون قصتك جزءا من ذاكرة الوطن.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.