التشريبة: نكهة الشتاء وورث الجدات
حين تنخفض درجات الحرارة وتبدأ نسمات الشتاء الباردة بالتسلل إلى البيوت الكويتية، يبحث الناس عن الدفء في كل شيء، في الملابس، في المجالس، وفي الأطعمة. وهنا تبرز التشريبة كإحدى أيقونات المائدة الكويتية الشتوية، التي لم تكن مجرد طبق يسد الجوع، بل حكاية متوارثة ونكهة ترتبط في ذاكرة الكويتيين بالطفولة، والجدة، والأم، واللمة حول السفرة.
ما هي التشريبة؟
التشريبة طبق كويتي تقليدي، يعد من الخبز الرقاق أو الخبز الإيراني الذي يقطع وينقع في مرق اللحم أو الدجاج، ويطهى مع الخضروات. قد تختلف المكونات قليلا بين بيت وآخر، لكن القاعدة الذهبية لهذا الطبق هي مرق غني، وخبز يتشربه حتى يذوب في طعمه.
من أين جاءت التشريبة؟
يرى الباحثون في المطبخ الخليجي أن أصل التشريبة يعود إلى المطبخ العربي القديم، حيث كانت عادة “تشريب الخبز” شائعة في أزمنة الفقر والحاجة. ولكن الكويتيين أبدعوا في تطويرها، وجعلوها طبقا فاخرا يحضر في الشتاء، ويزين موائد المناسبات البسيطة وفي شهر رمضان المبارك. وقد كانت الجدات في السابق يحرصن على إعدادها لأفراد الأسرة بعد صلاة المغرب، حين يجتمع الكل في الديوانية أو حول صينية الطعام.
مكوناتها وطريقتها
تطهى التشريبة عادة من:
لحم غنم أو دجاج، طماطم طازج ومعجونه، بصل، ثوم. خضار متنوعة مثل الكوسا والبطاطا والجزر أحيانا مع مزيج من البهارات كويتية التقليدية مثل الكركم، الهيل، اللومي، الفلفل الأسود والقرفة. وتقدم مع خبز الرقاق أو الخبز الإيراني الطازج.
يطهى اللحم أو الدجاج مع البصل والتوابل حتى ينضج، ثم تضاف الخضار والماء وتترك لتغلي، فتنتج مرقا غنيا. عند التقديم، يقطع الخبز ويغمر بهذا المرق الحار، فتتشرب القطع النكهات وتتحول إلى مزيج يذوب في الفم.
بين الماضي والحاضر
قد تبدو التشريبة اليوم طبقا بسيطا وسط التنوع الكبير في المطبخ الحديث، ولكنها تحمل في طياتها قيمة معنوية كبيرة. هوي طبق الأمهات والجدات، طبق القلوب الدافئة في شتاء الكويت. واليوم، مع تطور أساليب الطهي واهتمام الجيل الجديد بالمطبخ التراثي، بدأنا نرى محاولات لإعادة تقديم التشريبة بأساليب مبتكرة في أواني فخارية، أو باستخدام خبز مصنوع يدويا، أو حتى ضمن قوائم مطاعم كويتية معاصرة تسعى لإحياء الموروث بطابع عصري.
رمز اجتماعي
في الماضي، كانت التشريبة من الأطباق التي تقدم في “العزائم” البسيطة، وخلال مناسبات الشتاء أو في المساجد بعد صلاة الجمعة. وكانت بعض العائلات تعتاد إعدادها وتوزيعها على الجيران في شهر رمضان المبارك في بادرة من الكرم والتراحم.
أما اليوم، فقد بدأت بعض المقاهي والمطاعم الشبابية في الكويت بإضافة التشريبة إلى قوائمها، تماشيا مع موجة “إحياء التراث”، فتجدها تقدم بطريقة أنيقة، مع إضافات عصرية، مثل رقائق البصل المحمر أو لمسة من اللبن الرائب على الجانب.
برأيك، هل تعتبر التشريبه طبق رمضان المفضل أم تأكلها في أي وقت؟ وهل تفضلها بلحم الغنم أم الدجاج؟
شاركونا وصفتكم في تحضيرها.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.