الهريس: وليمة الصائمين وعزيمة العيد في الكويت
في ليالي رمضان، حين تتزين البيوت بأضواء الفوانيس وتفوح في الأزقة روائح التوابل، يتهيأ المطبخ الكويتي ليقدم واحدة من أعرق أطباقه وأقربها إلى القلب: الهريس. طبق تراثي يجمع بين بساطة المكونات وعمق النكهة، ويحمل في كل لقمة منه عبق الماضي وروح الجماعة.
من البادية إلى المدينة
الهريس ليس طبقا وليد الكويت وحدها، بل هو جزء من موروث واسع يمتد عبر الجزيرة العربية وبلاد فارس والهند. غير أن أهل الكويت منحوه لمستهم الخاصة، فجعلوه أكثر ارتباطا بالمناسبات الدينية والاجتماعية. في الماضي، كان تحضيره يبدأ قبل أيام من الشهر الفضيل، حيث تشترى أجود حبوب القمح وتخزن في أماكن جافة، بينما يختار اللحم الطازج بعناية، وغالبا ما يكون لحم غنم صغير لطراوته.
طريقة التحضير التقليدية
تحضير الهريس الكويتي في الزمن القديم كان رحلة طبخ جماعية:
- ينقع القمح طوال الليل حتى يلين.
- يوضع القمح مع قطع اللحم في قدر ضخم من النحاس أو الألمنيوم السميك، ويضاف الماء بوفرة.
- يترك الخليط على نار هادئة لعدة ساعات، مع التحريك المستمر حتى تتجانس الحبوب مع اللحم وتتحول إلى مزيج كريمي القوام.
- يملح في المراحل الأخيرة، ويزين أحيانا بالسمن البلدي أو الزبدة.
الأدوات التقليدية كانت أساسية في نجاح الطبخة، وأبرزها المضرب الخشبي الطويل الذي يستخدم لهرس القمح واللحم حتى يذوبا في بعضهما.
حضور الهريس في رمضان والعيد
كان الهريس أحد الأطباق التي لا تخلو منها مائدة الإفطار في رمضان، خاصة في النصف الثاني من الشهر، حين تبدأ الدعوات المتبادلة بين الأسر. وفي عيد الفطر، يتحول الهريس إلى رمز للعطاء؛ إذ يطهى بكميات كبيرة ويوزع على الجيران والأقارب وحتى المارة. كانت القدور الكبيرة تحمل إلى “المطبخ الجماعي” أو ساحة البيت، حيث يتشارك الرجال والنساء في إعداده، فيتحول الطبخ إلى مناسبة اجتماعية بحد ذاته.
قيم غذائية وروحية
الهريس ليس مجرد طعام شهي، بل هو وجبة متكاملة:
- القمح مصدر غني بالألياف والمعادن.
- اللحم يمد الجسم بالبروتين والحديد.
- طهوه البطيء يجعل هضمه سهلا، وهو أمر مثالي بعد يوم صيام طويل.
أما روحيا، فيجسد الهريس روح التضامن، حيث يوزع على الفقراء والمحتاجين في رمضان، ويقدم كعزيمة في الأعياد، ليبقى شاهدا على قيم الكرم والوفاء.
الهريس اليوم
رغم تطور أدوات الطبخ، واستخدام قدور الضغط والمطابخ الحديثة، إلا أن الكثيرين ما زالوا يفضلون الهريس التقليدي المطهو على الحطب، معتبرين أن نكهة الدخان لا يعوضها أي اختصار للوقت. كما بدأت المطاعم الشعبية والمقاهي التراثية بإدراج الهريس في قوائمها، ليستمتع به الجيل الجديد ويتعرف على أطباق أجداده.
هل جربت طهي الهريس بالطريقة التقليدية؟ أم تفضل الحصول عليه جاهزا من المطاعم؟
شاركنا ذكرياتك مع هذا الطبق الذي جمع العائلة والجيران على مائدة واحدة.

مستشار وخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، صانع محتوى وأوامر الذكاء الإصطناعي.